أخر المواضيع

الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

الفلاحة المغربية. الإمكانات والآفاق - الدكتور عبد الله العوينة


الفلاحة المغربية. الإمكانات والآفاق


                                                               الدكتور عبد الله العوينة
                                                                    كلية الآداب - الرباط                                                                                                                               

        يقع المغرب في الزاوية الشمالية الغربية للقارة الأفريقية، وينتمي إلى المغرب العربي، الذي يتشخص وسطاً جغرافيّاً يحده البحر المتوسط شمالاً والمحيط الأطلنتي غرباً والصحراء جنوباً. وهذا الموقع المتميز يجعل من المغرب صلة وصل بين القارتين الأوربية والأفريقية. كما أن الاتساع الكبير للمغرب من الشمال إلى الجنوب وامتداد الواجهات البحرية (3000 كمعلى المحيط الأطلنتي و500 كم على البحر المتوسط) واتساع الأراضي السهلية وارتفاع التضاريس الجبلية - كل هذا يسهم في التنوع الكبير للأوساط والمشاهد الجغرافية ويفسر توافر الموارد الطبيعية والمقدرات الزراعية للبلد.

1  ـ  الإمكانات والعوائق
       1 ـ 1. امتداد المناطق السهلية
        ينتظم المجال المغربي حول سلاسل جبلية تكون ميداناً مرتفعاً يمتد على حوالي 400 كم من الشرق إلى الغرب. وباعتبارها مجالات تعلو عن 500 م وبانحدارات وعرة، تغطي الجبال ما مقداره 21 % من التراب الوطني. كما تنقسم إلى كتل ممتدة (الريف، والهضبة الوسطى، والأطلس المتوسط، والأطلس الكبير، والأطلس الصغير) وإلى مرتفعات معزولة (الرفاص وآخرون، 2003).
        يتكون المدرج الواسع للمغرب الأطلنتي من سهول ساحلية (الغرب والشاوية ودكالة) وأخرى داخلية (تادلا والحوز)، بينها هضاب يختلف مدى استوائها (الهضبة الوسطى والرحامنة وهضاب الفوسفاط). وهو يمتد محفوفاً بجبال الريف شمالاً، والأطلس المتوسط شرقاً، والأطلس الكبير جنوباً. ويتميز هذا المجال بانفتاحه الواسع على المؤثرات المحيطية؛ كما ينضاف إلى هذه الظروف المناخية الجيدة عامة توافر أتربة متنوعة ومقادير مائية عالية للري.
        وتغطي جهة المغرب الشرقي سهولاً واسعة وهضاباً عالية شرق الأطلس المتوسط. في هذا المجال يتأكد الجفاف وتتضاءل جودة التربة، كما يعرف الغطاء السهوبي المتنوع أصلاً آليات تدهور عميقة. إلا أن الموارد المائية تسمح باستقرار مدارات سقي لا بأس بها، بينما يبقى الرعي المتنقل المورد الأساسي لهذه المجالات.
        أما الجهة شبه الصحراوية والصحراوية، فهي تمتد جنوب السلاسل الأطلسية وتعتبر صلة وصل مع أفريقيا المدارية. تمثل هذه المجالات الوسط الأكثر صعوبة في المغرب، بفعل الحرارة المفرطة وشدة عنف الرياح وندرة المياه وقلة الوقاية النباتية للأراضي. على الرغم من ذلك، هناك كثير من الموارد تساهم في تكوين عناصر جلب في هذه الأراضي، وخاصة منها المشاهد الطبيعية الخلابة والوضع الخاص للواحات التي تعرف تحولات عميقة. إلا أن آفة التصحر تهدد الهوامش الشمالية لهذا المجال الواسع.

1 ـ 2. وفرة الشبكة النهرية
        تتوزع الأحواض النهرية في المجال المغربي:

ـ  فالواجهة المتوسطية تستقبل أساساً مجاري قصيرة لكن غزيرة، تنزل بسرعة من اعراف جبال الريف؛ وفي المنطقة الشرقية تستقبل كذلك واد ملوية الذي يصرف ميداناً ممتداً يضم الأطلس المتوسط والأطلس الكبير الشرقيين، والهضاب العليا وسهول ملوية الوسطى والعليا.
ـ  أما الواجهة الأطلنتية فهي تتلقى أهم الواردات المائية السطحية المغربية والمتمثلة في مياه الأحواض النهرية المنظمة، للكوس وسبو وبورقراق وأم الربيع وتانسيفت وسوس، إضافة إلى السيول المؤقتة للأنهار الصحراوية (درعة والساقية الحمراء).
ـ  وفي ما يخص الواجهة الصحراوية، جنوب الأطلس، فهي تتلقى أنهاراً لها تغذية هامة، هي أنهار درعة وزيز وغريس وكير، وهي أنهار قادمة من الأطلس الكبير. إلا أن الطبيعة الجافة لهذه المناطق وأهمية السقي في الواحات، يحول هذه الأنهار سريعاً إلى مجاري مؤقتة في جزئها السفلي قبل أن تحتفي في الأراضي الصحراوية.

        يبقى الجريان محدوداً في الأراضي المغربية، إذ لا يمثل أكثر من 14 % من المياه المتهاطلة. وعلى الرغم من ذلك، فإن المغرب يحظى بموارد مائية هامة. ذلك بأن المقدار المتاح سنوياً من المياه يصل إلى ما معدله 30 مليار م3، منها 21 مليار قابلة للتعبئة، و16 مليار من هذا المقدار هي مياه سطحية. وللمغرب الحظ في التوفر على هذه المقادير بسبب عدد من المؤهلات الطبيعية، أهمها الخزان الأطلسي وما يوفره من أنهار دائمة مثل سبو وأم الربيع، والفرشات المائية الباطنية وما تمنحه من انتظام لصبيب الأنهار. لكل هذه الأسباب يعتبر المغرب بلد الري في إطار قطاعات ممتدة معتمدة على سدود كبرى. فالمغرب قد شيد ما يفوق 95 سداً كبيراً، الأمر الذي جعل سقي الأراضي يتعدى هدف المليون هكتار، المعلن عنه منذ السبعينيّات. وقد تم الوصول إلى هذا الهدف على أثر تشييد أكبر سد مغربي هو سد الوحدة على واد ورغة في منطقة مقدمة الريف والذي تفوق سعته لوحده 4,3 مليار م3.

1 ـ 3. تنوع البنيات الجيولوجية
        يتلخص التاريخ الجيولوجي للمغرب في اقتران هامش متوسطي بالدرع الأفريقي. ويتمثل ذلك الهامش المتوسطي في سلاسل هرسينية من الزمن الجيولوجي الأول، تطورت على شكل أحواض إرساب في الزمن الثاني وبداية الثالث، قبل أن تعرف الضغوط التكتونية المعتادة في المجال المتوسطي، تلك الضغوط التي انتهت إلى تكوين حزامين جبليين، الريف في الشمال والأطالس في الجنوب (مديرية إعداد التراب الوطني، 1984).
        واستمرار عدم الاستقرار البنيوي إلى الآن، خاصة في المجال المتوسطي، هو السر في الطبيعة الجبلية للبلد. إلا أن هذا الوضع يترك، على الرغم من ذلك، مجالاً واسعاً للأراضي المنبسطة، الصالحة للزراعة في المغرب الأطلنتي والمغرب الشرقي.
        فالريف سلسلة تضاريس جبلية حديثة، توافق الحزام البحري الذي كان آخر ما برز على هامش القارة الأفريقية. وهو مجال يتميز بتعقيده البنيوي وعموم الاتصالات غير العادية. كما أن قوة الرفع تفسر عنف التجزيء الحديث الذي تسببت فيه المجاري المائية المتوسطية والمحيطية. والأطلس سلسلة جبلية تتضمن أعلى المرتفعات (4165 م في الأطلس الكبير و3331 م في الأطلس المتوسط). وتتكون من وحدات ممتدة، تضاريسها متكتلة وتحدها هوامش وعرة. وتساهم القاعدة القديمة بانكساراتها في خطية الوحدات البنوية. أما الرفع الحديث، فهو ما زال متواصلاً ويفسر أهمية الارتفاعات النسبية وشدة التجزيء وعنف تعمق المجاري.
        أما المغرب الأطلنتي، فهو ميدان امتداد ثلاثة أنواع من الأوضاع:

ـ  تضاريس بارزة، توافق الكتل القديمة، المرفوعة حديثاً، والتي تم تشبيب تضاريسها بفعل التعمق (مثال الهضبة الوسطى)؛
ـ  تضاريس هضاب بنيوية رتيبة (مثال هضبة الفوسفاط)؛
ـ  ممرات واسعة عرفت النزول التكتوني، وتوجد على كل من جانبي الهضاب، وتمثل سهولاً ساحلية أو قبل - أطلسية مكونة من تراكم مواد لنهاية الثلاثي وللزمن الرابع، وتسمح بذلك بتوافر أتربة جيدة من جهة، وتخزين فرشات باطنية هامة.

        في المغرب الشرقي، شرق الأطلس المتوسط، تتخذ التضاريس انتظاماً جديداً أكثر تعقيداً. هذا النظام يضم ممراً مكوناً من سهول متهدلة على طول ملوية، ومرتفعات تمثل استمراراً للأطلس المتوسط وهضاباً عليا مستقرة تمثل مشهد رصيف تعرض لعدة مراحل تسوية وعدة مراحل إرساب، إلا أنه لم يكتسب شكله النهائي إلا في البليوسين.
        والميدان الجنوبي مكون من الأطلس الصغير والصحراء، وهو عبارة عن رصيف قديم يرتبط بالدرع الأفريقي ولم يعرف إلا تشويهات محدودة. والتغطية الرسوبية للقاعدة ابتدأت مع الزمن الأول بكلس سميك يغطي الهيكل الأساسي للأطلس الصغير وتتبعه طبقات هامة جدّاً من الشست تتوسطها دكات من الحث والكوارتزيت. تتخذ البنية جنوب الأطلس الصغير ميلاً عاماً نحو الجنوب والجنوب الشرقي وتمنح تضاريس تعرية انتقائية قوامها أعراف بارزة وممرات شستية واسعة (مناطق باني ودرعة وتافلالت). وتختفي هذه البنيات القديمة تحت الغطاء الحديث الذي يشكل حمادة الساقية الحمراء في الجنوب الغربي وحمادة تندوف - درعة في الوسط وحمادة كير شرقاً. وهي هضاب رتيبة تمتد على مساحات شاسعة. وفي اتجاه الجنوب، تبرز القاعدة من جديد، حيث تشكل تضاريس الرصيف الكرانيتي في أقصى الجنوب، في استمرار مع القاعدة الموريتانية.

1 ـ 4. تنوع الأتربة
        إن الأتربة المغربية الحالية نتاج لتطورات طويلة تحت التأثير المشترك للمناخ والغطاء النباتي عبر مراحل تقلبات دورية عميقة منذ بروز الأراضي في نهاية الزمن الثالث. فالمناخ والبنية والصخارة عوامل تفسر التغايرية المجالية للتربة إضافة إلى تنوعها تبعاً للطبغرافيا. ولقد حاول المزارعون باستمرار الاستفادة من هذا التكامل الترابي بين الرساتيق وهو ما يمثل أساس النماء والتنوع اللذين عرفتهما الفلاحة المغربية.
        في الأوساط الرطبة وشبه الرطبة المحيطية، تعرف المسكات العليا للأتربة الحمراء عملية التصويل التي تفقر تلك المسكات من الموارد المخصبة، بينما تتركز في هذه المستويات تعقدات وأدرع حديدية. بل محلياً تظهر في تربة المجالات الرطبة بعض صفات تربة »البودزول«. وفي الأوساط القارية، بسبب توالي مراحل الحدسلة والتصويل والتكلس، فإن الأتربة تكون أقل سمكاً عامة. وفي الجبال، قد نجد محلياً أتربة بنية غابوية غنية بالذبال، بينما الأتربة الحصوية والصخرية هي الغالبة في هذه المناطق عموماً.
        أما الأوساط نصف الجافة، فهي مجال امتداد القشرات الكلسية التي هي مظهر أساسي للتربة. وهناك الأتربة الحصوية ضعيفة التطور فوق الدرجات النهرية والحادورات، على الرغم من اختلاف نوعها. وهناك الأتربة الحمراء فوق الظهورات الكاربوناتية والقشرات الكلسية. وهناك كذلك الأتربة القلوية في السهول ذات الركيزة الصلصالية والتي لها قابلية عليا لحجز المياه.
        وتحت المناخ الجاف والصحراوي، تصبح عمليات تمليح التربة غالبة. وهي مظاهر تتفاقم تحت الري وتؤدي إلى تكوين أتربة ملحية في سافلة الأودية وبجوار مصبات الأنهار. أما عامة، فإن الأتربة معدنية خام في المجالات الصحراوية وقبل الصحراوية.
        تتميز أتربة السهول بارتفاع مقدار المياه المحجوزة فيها من فصل لآخر. وهي أوضاع تسمح بمحاصيل زراعية مقبولة على الرغم من نقص الأمطار في الربيع. وهذا ما لا يتأتى في الأتربة الهيكلية فوق سفوح التلال والجبال.
        يشكو المورد الترابي من حساسية كبرى تتمثل في عملية التدهور، على شكل انكشاف المسكات الباطنية، وخاصة منها مسكات تراكم الكلس. وهذا ما يرفع من نسبة حاصية الأتربة. وتزيد حساسية هذا المورد مع ارتفاع الانحدار وتراجع الوقاية النباتية. أما التخصيب، فهو يرفع من إمكانات التربة، بينما الانجراف المائي والتعرية الريحية يقللان من تلك الإمكانات وقد يؤديان إلى التصحر.
       
1 ـ 5. تكامل النطاقات المناخية
        يخضع المغرب لمناخ ما بين معتدل وصحراوي، تتركز أمطاره في أبرد شهور السنة (من الخريف إلى الربيع). وامتداده على خطوط العرض، وأهمية واجهاته البحرية وقوة تضاريسه، كلها عوامل مسؤولة عن التنوع المناخي الكبير السائد بين جهات البلاد. فمتوسط التهاطلات السنوية يمتد من أقل من 25 مم في الصحراء إلى ما فوق 2000 مم في بعض أجزاء الريف. وهكذا فكل الطبقات ممثلة، حسب الترتيب البيومناخي، من طبقة الجبال العليا إلى الطبقة الرطبة إلى شبه الرطبة إلى نصف الجافة إلى الجافة والصحراوية، وبتنويعاتها الجزئية ذات الشتاء البارد والمعتدل والحار.
        فالتوزيع الإجمالي للبلاد، حسب المجالات المناخية، هو كالتالي: 560000 كم2 في المناطق الرطبة وشبه الرطبة. وهكذا فإن جل مساحات البلاد تدخل ضمن المجال القاحل المتصف بالتشميس المستمر وبفترات جفاف حادة.
        مناخ المغرب معروف بعدم انتظامه، وبالوزن الهام الذي يلعبه الجفاف الفصلي، بل البيسنوي، وبنقيض ذلك أيضاً وهو الخاصية المدمرة لبعض حالات الفيض المفاجئة. ويبقى عدم استقرار المناخ الخاصية الأساسية اللازم اعتبارها في المجالات نصف الجافة الانتقالية. أما القحولة، فهي تطبع بآثارها حتى بعض المناطق الرطبة، وذلك لأن الجفاف الفصلي قد يدوم ليستمر خلال الخريف اللاحق، أو قد يبتدئ مبكراً منذ الربيع، مؤدياً بذلك إلى إفلاس نتائج الموسم الفلاحي.
        فالجفاف يكون عائقاً أساسياً، خاصة عندما ترافقه تهديدات لا تقل خطورة، مثل الحرارة المفرطة وما تفرزه من تبخر، أو الرياح القارية الحارة والمجففة، أو الفيضانات الهدَّامة التي لا تفيد في تغذية مخزون التربة والفرشات الباطنية، بل تتسبب في إضعاف المنتوج الزراعي الإجمالي.
        وقد عرف المغرب منذ بداية القرن العشرين، حالات إفراط وحالات نقص مطري، أعدادها متوازية. إلا أن عدد السنوات الجافة صار يتعدى عدد السنوات الرطبة منذ سنة 1975. وهكذا تعتبر تسع سنوات من أصل الخمس عشرة سنة الأخيرة من القرن سنوات جافة. كما أن الفترات الجافة صارت لها نزعة نحو الاستمرار على عدة سنوات متتالية (مثال سنوات 1980-1984). وقد سجلت هذه الفترة المذكورة أقسى الفترات الجافة المسجلة ربما منذ ألف سنة. في هذه الحالات، يصبح النقص المائي ملموساً، مع انخفاض ظاهر في مستوى الفرشات المائية، ونضوب في العيون، ونقص في صبيب الأنهار. عندئذ ينزل المخزون المائي للتربة وتعرف الأشجار أعلى نسبة من حالات الذبول فيصبح المنتوج الزراعي مرتبطاً بالإمكانات التي توفرها الموارد المائية المخزونة.
        وتوجد حدود الصحراء في المغرب، في موقع جنوبي مقارنة مع البلدان المغاربية الأخرى، وذلك لسببين: أولاً بسبب الواجهة المحيطية الأطلنتية، وثانياً بسبب الحاجز العالي الذي تمثله جبال الأطلس. ويتدهور المناخ بشكل تدريجي من الشمال إلى الجنوب، لكنه يعرف على الرغم من ذلك تغيرات سريعة، مرتبطة بالعامل التضاريسي وعامل الموقع المحمي. فالقحولة لا تتقوى بداخل المغرب إلا جنوب الأطلس الكبير، وإن كانت في الحوز جيوب جفاف ممتدة على الجانب الشمالي للسلسلة الأطلسية. وفي اتجاه الشرق، تسمح الحواجز التي تمثلها سلاسل الريف والأطلس المتوسط بتقدم الصحراء إلى الشمال على طول ملوية، بينما يتخذ الساحل المتوسطي المحمي صبغات قحولة ابتداء من منطقة الحسيمة.
        وعلى المستوى الدينامي، تهم المغرب كتل جوية قطبية ومدارية متناوبة: فالكتل القطبية التي تختلف درجة برودتها ورطوبتها، تعطي أوضاعاً شتوية شديدة التفاوت، بعضها أوضاع استقرار ضد إعصاري، وبعضها أوضاع مضطربة غربية، جنوبية غربية أو شمالية شرقية.
        وتسجل الحرارات نزعات إفراط، مع موجات صقيع قصيرة عند تقدم الكتل الجوية الأركتية أو الكتل الناشئة في أوربا القارية. كما تسجل موجات حرارة صحراوية (صعود المحرار حتى 45°) بشكل متردد، قد تبلغ المجال الساحلي (أوضاع المنخفض الصحراوي المصحوبة برياح الشرقي).
        أما التشميس، فهو مرتفع عامة ونسبة الرطوبة منخفضة، عدا وضع المجالات الساحلية، وهو ما يفسر ارتفاع المدى الحراري اليومي.
        ويمكن التفريق بين نوعين من المناخ على المستوى الحراري:

        ـ  مناخ معتدل ساحلي، ضعيف المدى الحراري. فالمنخيات الحرارية موزية للساحل. والحرارات الدنيا المطلقة لا تنزل إلى الصفر، بينما يستقر معدل حرارات الشتاء عند 13,5° في الصويرة. أما المعدلات الصيفية، فهي أكثر تنوعاً (19,9° في الصويرة و23° في طنجة). وتهب رياح بحرية معتدلة (ريح بحري صيفي يتعمق أثره في القارة إلى ما يساوي 40/ 50 كممن الساحل). وهذه الرياح مسؤولة عن الطبيعة المعتدلة للشريط الساحلي، خاصة على الهامش الأطلنتي.
        ـ مناخ قاري داخلي، بارد شتاء وشديد الحرارة صيفاً. في الصيف ترتفع الحرارة اتجاه الداخل بشكل مفاجئ. ذلك بأن متوسطات يوليوز تعلو في كل مكان على 27°، وتصل المتوسطات النهارية إلى ما يفوق 38-40°. أما المعدلات الدنيا للصيف، فهي في حدود 16-20°؛ ذلك بأن المدى الحراري اليومي هو في حدود 10° شتاء و16-18° في الصيف، ارتباطاً بالتأثير التضاريسي. والممال الحراري تبعاً للتضاريس ضعيف في الشتاء (0,4° كل مائة متر) وأقوى في الصيف (0,7°)، الأمر الذي يقوي كثيراً الوضعية القارية للمنخفضات داخل الصحراوية.
        تتميز الفصول بكونها أكثر وضوحاً مما هي عليه في أوربا. فالصيف أكثر طولاً وجفافاً، لكن قد تتخلله بعض العواصف المطرية. أما الشتاء، فهو متقطع، تتخلله فترات جفاف ضد إعصارية. كما يتميز المناخ عادة بعدم انتظام كبير. فالنزوح عن المتوسط المطري السنوي، تقديره 15 إلى 25 % في شمال غرب المغرب، ويصل في حالات خاصة إلى 100 %. ويعم عدم الانتظام كذلك وتيرة التهاطل، وبالضبط بداية الفصل الممطر (حالات تأخر أول الأمطار) ونهايته (حالات البداية المبكرة لفترة الجفاف واختفاء أمطار الربيع ذات الدور الأساسي في المنتوج الزراعي). أما تركز الأمطار وعنفها، فهو يكون خاصية أساسية أخرى؛ ذلك بأن عدد أيام التهاطل يصل في المعدل إلى 75 يوماً في المناطق الرطبة، والريف على وجه الخصوص؛ لكنه يقل عن ذلك بكثير كلما اتجهنا صوب المناطق الصحراوية، والتبخر قوي جداً بحيث يتعدى في كل مكان ما تسجله الأمطار من واردات بأكثر من 1000 مم.
        أما دور التضاريس وتوجيهها، فهو أساسي كذلك. ويفسر على الخصوص التناقضات بين الواجهات الطبغرافية، فخريطة المنحنيات المطرية شبه موازية لمنحنيات التساوي الارتفاعي؛ كما يمكننا أن نَفْرِز داخل المجالات الرطبة الجبلية، التي تتلقى أكثر من 600 مم، بعض الأنوية الرطبة جداً (تتعدى 1000 مم) وجيوباً نصف جافة ممتدة تستقبل ما بين 300 و600 مم.
        وباستعمال معامل عدد الأشهر الجافة والمعامل المطري - الحراري، يمكن فصل التقسيمات التالية:

ـ  مجالات رطبة وشبه رطبة، معامل عدد الأيام الجافة بها أقل من 100. وتشمل مناطق رطبة، سهلية في شمال المجال الأطلنتي ومجالات رطبة عالية في الريف والأطلس. وتتميز هذه المجالات في كل مكان بأهمية الغطاء النباتي وتنوع الأتربة.
ـ  مجالات نصف جافة، معامل عدد الأيام الجافة بها بين 100 و160. يغطي هذا الميدان السهول والهضاب الأطلنتية الجنوبية ومجالات ساحلية في موقع محمي، مثل الريف الشرقي وأحواض نصف قارية مثل سايس فاس، وجبال في موقع جنوبي مثل السفوح الجنوبية للأطلس الكبير وأخيراً بعض قمم الأطلس الصغير.
ـ  مجالات جافة وصحراوية يرتفع فيها عدد الشهور الجافة إلى ما بين 10 و12 شهراً.

        يتميز المناخ المغربي عامة بكونه متواضع العنف، مقارنة بالمجالات المدارية أو المجالات الأوربية القارية. ولا تخرج عن هذه القاعدة إلا بعض العواصف المحلية التي تحدث في الفصل الجاف في المجالات الجبلية. ذلك بأن العنف الأقصى (خلال 30 د يتردد 10 سنوات) لا يتعدى 1 مم في الدقيقة. لكن بعض الأمطار المستمرة الشتوية قد تشبع التربة وتحدث صبيباً أقصى وعمليات تحريك جماعي للمواد السطحية من طرف السيول.
        ويتميز المجال المحيطي شبه الرطب ونصف الجاف بفترات تهاطل تدوم مع تتابع الاضطرابات الغربية الشتوية وبجفاف صيفي تام. ويحدث السيل عامة على أثر تشبع التربة؛ ولذا فالانجراف مرتبط قبل كل شيء بالطاقة المكتسبة من طرف المياه السائلة. أما في الجبال ومناطق السهوب، فإن بعض حالات الأمطار العنيفة المركزة قد تحدث صيفاً. لذا فالسيل هنا أساساً ظاهرة ناتجة عن عنف التهاطل. فبعض المراحل المطرية قد تبلغ 50 مم دون أن تحدث أي سيل، بينما تحدث أحداث قصيرة متواضعة المقادير ولكن شديدة العنف، تحدث تغييرات جوهرية في المجال، لأن السيل يتخذ عندئذ مظاهر فرشة مائية سمكها بضعة سنتمترات في قدم الجبال القاحلة، وقنوات غير منتظمة على السفوح، أو خدوش عميقة في الحالات القصوى.


2 ـ  الفلاحة المغربية: الوضع الحالي
       مجال زراعي محدود نسبياً
        يتميز المغرب ذو المناخ المتوسطي بقحولة تتزايد من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، ولا تخرج عن هذه القاعدة سوى المرتفعات الجبلية. فمن مساحة 71 مليون هكتار (10850 كم2)، لا يحمل أنشطة زراعية إلاّ 9,2 مليون هكتار، أي ما يمثل 5,5 % من التراب الوطني. وهذا الشطر غير الصحراوي من البلاد يضم إضافة إلى الأراضي القابلة للزراعة، قرابة 5 مليون هكتار من الغابات، و24 مليون هكتار من المراعي السهوبية، منها 3 مليون هكتار من الحلفاء (وزارة الفلاحة، الإحصاء الفلاحي، 1996).
        وقد عرفت المساحة القابلة للزراعة، وكانت لا تغطي سوى 7,8 مليون هكتار سنة 1980، توسعاً حقيقياً على حساب المراعي والأراضي الميتة، وكذلك على هوامش الغابات عن طريق الاجتثات. فالمراعي وحدها تراجعت من 27 مليون هكتار سنة 1977 إلى 24 مليون اليوم. إلا أن امتداد المساحة الزراعية ليس بلا حدود، حيث امتدت تلك المساحة ابتداء من 1985 على أراضٍ هامشية، تتميز بأنها أكثر هشاشة؛ ومنذ سنة 1992، برزت نزعة نحو استقرار المساحة الزراعية، دلالة على أن هذه الأخيرة قد وصلت إلى حدودها القصوى.
        وتتميز الظروف الطبيعية بابتعادها كل البعد عن التجانس. فالموقع من خطوط العرض والقارية والتضرس، كلها عوامل تتدخل بشكل حاسم في الإمكانات الزراعية لمختلف الأقاليم الطبيعية. والمناخ والتضاريس يحدان من امتداد المساحة الزراعية، التي تغطي في مجملها سهول وهضاب المجال الأطلنتي وبعض سهول الساحل المتوسطي. وفي ما عدا ذلك، تتجزأ المساحة الزراعية إلى قطعات مجهرية في الجبال والواحات، إضافة إلى الاقتصاد الرعوي الواسع. ومن الظروف المساعدة على الرفع من الإمكانات الزراعية، امتداد السهول ذات الأتربة العميقة في المجال الأطلنتي، والتي تجتازها شبكة نهرية دائمة، أو تحتوي على فرشة باطنية غنية، إضافة إلى ارتفاع رطوبة الجو واعتدال المناخ: في هذا المجال، تمتد زراعة الحبوب المغلالة ويدخل السقي مظاهر تنوع في المزروعات.
        وتشير خريطة توزيع المساحة الزراعية إلى نوعين كبيرين من المجالات:

ـ  في مدرج المغرب الأطلنتي، تتسع المساحة الزراعية إلى ما يفوق 30 % من المساحة الإجمالية للأراضي في كل الجماعات؛
ـ  في السلاسل الجبلية والمجالات السهوبية والصحراوية، لا تمثل المساحة الزراعية سوى أقل من 30 %. ففي الجبال، تمتد الغابات على ما يتعدى ثلث المساحة، بينما لا تتسع الرقعة الزراعية إلا في الجماعات الهامشية في قدم الجبل والأودية السفلى؛ وفي المغرب الشرقي والجنوب، تصبح المراعي والأراضي الجرداء هي الغالبة، بينما تتركز الرقعة الزراعية في الواحات، في المواقع الضيقة القابلة للري.

أنواع الفلاحات
        في المغرب نوعان من الفلاحة: الأول فلاحة بورية (مطرية) تخضع لظروف مناخية تتميز بعدم الانتظام في الهطول مع توزيع مجالي غير متكافئ؛ والنوع الثاني فلاحة مسقية، ناتجة عن مجهودات عمومية استثمارية كبرى منذ الاستقلال، إضافة إلى المجهودات الخاصة في إطار السقي الصغير والمتوسط (وزارة الفلاحة، التصميم الوطني للري).
        ويهم السقي العصري 9 قطاعات كبرى، سبعة منها تساهم بشكل كبير في الإنتاج الزراعي الوطني (تادلة، الحوز، سوس، الغرب، لكوس، دكالة، ملوية السفلى). أما في الجبال وأقدامها وفي الصحراء، فإن السقي موزع إلى قطاعات صغرى، ولكن ذات أهمية على مستوى الاقتصاد الزراعي المحلي.
        أما الإمكانات السقوية، فتقدَّر مساحتها بحوالي 1,6 مليون هكتار، 1,3 مليون منها في إطار ريّ دائم (850000 هـ من القطاعات الكبرى و510000 هـ من المشاريع الصغرى والمتوسطة) و300000 هـ من الريّ الفصلي. وباعتبار أهمية السقي في التنمية السوسيو - اقتصادية للبلد، ونظراً لامتداد المجالات الجافة، فإن المتاح من الرقعة القابلة للسقي محدود نسبيّاً، خاصة إذا اعتبرنا التزايد الديمغرافي. فالمساحة المسقية بالمياه الدائمة سوف تتضاءل من 34 هـ لكل ألف نسمة اليوم إلى 25 هـ فقط سنة 2020.
        وفي المناطق حيث تقل الأمطار عن 300 مم، يصبح الري ظرفاً ضرورياً للزراعة، وهي المناطق الموجودة جنوب عرض الجديدة، وخاصة منها المجالات قبل الصحراوية والصحراوية. لكن السقي أساسي كذلك في المناطق الأخرى، بغرض تكثيف الإنتاج والرفع من المردود. وقد ساهم ارتفاع الإنتاج في القطاعات السقوية بشكل وافر في إشباع الحاجيات الوطنية لبعض المواد الغذائية الأساسية وفي تقوية الصادرات الفلاحية. وعلى الرغم من أن القطاعات السقوية لا تغطي سوى 10 % من الرقعة الزراعية، فإنها تساهم بحوالي 45 % من القيمة المضافة الزراعية وبنسبة 75 % من الصادرات الفلاحية.
        وإضافة إلى القطاعات الكبرى، فإن الريّ الصغير والمتوسط يهم قطاعات موزعة على جل التراب الوطني، تغذيها مياه الفرشة الباطنية وبعض المجاري التي لم يكتمل تنظيمها؛ وكثيراً ما تعتمد تعبئة هذه الموارد على تقنيات تقليدية ويبقى إنتاجها أساساً بهدف الاستجابة للاستهلاك المحلي.
        لمجالات الزراعة البورية امتداد كبير (8 مليون هكتار) في إطار عدد كبير جداً من الاستغلاليات وبساكنة هامة مقدارها 35 % من الساكنة الوطنية و82 % من ساكنة الأرياف. أما إمكاناتها الزراعية، فهي جد متنوعة بتنوع الأتربة والظروف، وتجعل منها قطاعاً استراتيجياً لضمان الأمن الغذائي للبلاد (إنتاج الحبوب والقطاني والزيوت والسكر والفواكه والعلف). إلا أن هذه الإمكانات لا تُستغلُّ كلها، بسبب عوائق أهمها عوائق بنيوية (تروان وآخرون، 2002).
        فالمصالح الزراعية في المغرب تفرق بين بور ملائم (متوسط تهاطل يفوق 400 مم) وبور غير ملائم (300-400 مم) وبور صدفوي، تكون فيه الزراعة عرضية. يضم البور الملائم سهول الشمال المغربي (الغرب - سايس) والهضبة الوسطى وبعض أجزاء قدم جبال الأطلس إضافة إلى جبال الريف والأطلس المتوسط والأطلس الكبير الغربي والأوسط وبعض المواقع بجوار وجدة. أما البور غير الملائم، فهو يبتدئ من السهول الأطلنتية الوسطى ويغطي تادلة وهضاب الفوسفاط وشمال المغرب الشرقي. ويغطي البور الصدفوي جزءاً من الحوز وسوس والقدم الجنوبي للأطلس ومقدمة الصحراء.
       
البنيات والمشاهد الزراعية
        يوجد في المغرب نوعان من البنيات والاستغلاليات الزراعية. فهناك، من جهة، أراضٍ مجزأة إلى استغلاليات صغيرة، حيث التطوير صعب لأسباب عقارية وحيث التقنيات تظل عامة تقليدية والإنتاج موجهاً إلى الاستهلاك الذاتي. وهناك، من جهة أخرى، أراضٍ حيث التقنيات العصرية مستعملة من أجل إنتاج يهدف إلى تزويد السوق.
        فأراضي المعمرين استرجعتها شركات للدولة أو الخواص، أو أعيد توزيعها على مستغلين متوسطين تجمَّعُوا في إطار تعاونيات. وتساعد الدولة على عصرنة الزراعة (مكننة، تجميع الأراضي، سقي) وتتدخل في القرى (توزيع المياه والكهرباء) وتشجع على إقامة بعض المزروعات أو تحسين بعض القطاعات.
        ويتوفر المغرب على تقليد زراعي أصيل. ولذا نجد المجال الريفي متميزاً بتماسكه ضمن مجموعة قروية أو قبلية، قوامها الاستفادة من التكامل بين القطاعات الزراعية والمراعي. كما ينتظم المجال القروي متميزاً بمشاهد أصيلة، عناصرها نوعية الاستغلال، نوعية السكن (قصر صحراوي، دوار كبير، دوار صغير أو »دشر«، ضيعة معزولة) وكذا علاقته مع الأسواق الأسبوعية المجاورة.

المجالات الزراعية
        تتوزع الحملات المغربية إلى مجموعات كبرى حسب إمكاناتها الزراعية.
        كانت سهول المغرب الأطلنتي وهضابه إلى بداية القرن العشرين أراضي يسكنها رعاة منتظمون في إطار مجموعات نطاقية. ومنذ بداية القرن، تقدمت الزراعات على الخصوص مع التعمير الأجنبي للأراضي. الاقتصاد مبني حالياً على الزراعة والرعي، مع دور هام للأشجار في التلال ومقدمات الجبال. وتشير الأنظمة الفلاحية إلى تنوع كبير في الدورات الزراعية، حسب الظروف البيومناخية وتقاليد السكان. وقد انتقلت عدة مزروعات مع الحبوب (قطاني، زراعات علفية، مزروعات صناعية). وتتعمم التقنيات الحديثة للحرث، وخاصة في القطاعات السقوية.
        تمثل الجبال وسطاً زراعياً صعباً يسبب تعدد عوائقها الطبيعية. فقد ظلت الجبال بسبب  صعوبة المواصلات في منأىً عن مجهودات الإعداد الحديثة. وتمثل الجبال أوساطاً مختلفة من حيث درجة الاستقرار، حيث تسبب التكثيف الحديث للسكن في تزايد وتيرة اقتلاع الموارد، لكنها تمثل كذلك تراثاً زراعياً شديد الغنى على المستويين الثقافي والطبيعي. ويمكن تقسيم المجموعة الجبلية ذات المؤهلات الزراعية - الرعوية والغابوية إلى جبال شبه رطبة حيث تغطي الغابة مساحات واسعة وجبالاً غالبية مساحاتها قاحلة.
        يتوافق نطاق المراعي والزراعات الصدفوية مع المجالات حيث تقل الأمطار عن 300 مم وتتسم بعدم انتظام فصلي وبيسنوي كبير. في هذه السهوب الممتدة، لا تشغل الزراعات إلا مساحات محدودة، بعضها في إطار الري الصغير والمتوسط.
        ولا شك أن النطاق الصحراوي يمثل الوسط الأكثر صعوبة، بسبب عوائق صعبة التجاوز. إلا أن هناك موارد عديدة تساهم في جاذبية هذه المناطق، خاصة الواحات كثيفة الاستغلال والتي تعرف حالياً تحولات عميقة، لكن التصحر يهدد هوامش هذا المجال، الأمر الذي يحتم ضرورة وقاية متزايدة للتربة والغطاء النباتي وتدبيراً أكثر فعالية للمياه. ويمكن التفريق داخل هذا الميدان الواسع بين المناطق شبه الصحراوية ذات الامتداد الواسع للواحات (تافلالت، درعة) والمجالات الصحراوية حيث الواحات محدودة الامتداد.

الزراعات والإنتاج الزراعي
        تساوي الرقعة المخصصة للزراعات السنوية (حبوب وقطان وزراعات صناعية وعلفية وخضروات) حوالي 6,5 مليون هكتار، خمسة منها مغطاة بالحبوب. أما المغروسات الشجرية، فهي تهم 700000 هـ، أكثر من نصفها مخصص للزياتين.
        يبلغ متوسط قيمة الإنتاج الزراعي 24,5 مليار درهم، أي 50 % من مجموع الإنتاج الفلاحي، لكن هذا الإنتاج يختلف من سنة لأخرى. وتمثل الحبوب 47 % من القيمة الخام للمنتوج النباتي، والخضروات 38 %. أما القطاع السقوي الذي لا يغطي سوى 10 % من المساحة الزراعية، فهو يساهم بـ 45 % من القيمة المضافة. إلا أن هذا الإنتاج لا يغطي إلا قسطاً من حاجيات البلد (60 % من الحاجيات من الحبوب، و52 % في ميدان السكر، و20 % من الزيوت)، بينما تنتج الخضر والفواكه فائضاً يتم تصديره.
        ويتأثر إنتاج الحبوب كثيراً بالتقلبات المناخية ويرتفع في المتوسط إلى 60 مليون قنطار. ويدل توزيع المساحات والإنتاج على الثقل الخاص لسهول المغرب الأطلنتي وهضابه. ويمثل الشعير 45 % من رقعة الحبوب، إلا أن القمح الصلب هو الذي يعرف أهم تطور إيجابي في السنوات الأخيرة. أما إنتاج القطاني، على مساحة أقل من 400000 هـ، تمتد خصوصاً في شمال غرب المغرب، فهو يعرف تضاؤلاً واضحاً منذ 1985، وبلغ في متوسطه حوالي 1,8 مليون قنطار في السنة بين 1995 و2000.
        ويشير امتداد مغروسات الفواكه إلى توزيع عكسي مقارنة مع الحبوب. فنسبتها غالبة في الواحات الصحراوية والقطاعات السقوية وفي الريف الشرقي والجنوبي. وتمتد الزياتين على 520000 هـ، وتنتج 48000 طن من الزيت، و120000 طن من مصبرات الزيتون. وتمتد الحوامض على 75000 هـ، خاصة في القطاعات السقوية، مع إنتاج يرتفع إلى 1,3 مليون طن، مكونة بذلك مصدراً هامّاً للعملة الصعبة.
        أما الزراعات الأخرى (خضر، زراعات زيتية)، فهي لا تهم إلا القطاعات السقوية والمجالات الرطبة من المغرب الشمالي. وقد عرفت الخضر والبواكير امتداداً كبيراً في مساحتها؛ كما عرفت عملية تكثيف في إنتاجه 250000 هكتار وحوالي 4 مليون طن، منها 240000 طن مصدرة. وتتميز الزراعات السكرية بأهميتها.
        وغالباً ما يظل التكثيف الزراعي متواضعاً. فالمكننة ما زالت دون الحاجيات (1 جرار لحوالي 230 هكتار، مقابل 1 جرار لـ 45 هـ في مصر). واستعمال المخصبات معدله حوالي 36 كيلو/ قنطار (مقابل 64 في تركيا و94 في إسبانيا).

وضعية الرعي بالمغرب
        يمثل الرعي نسبة هامة من المنتوج الداخلي الخام الفلاحي (26 إلى 32 % حسب السنوات) و20 % من التشغيل الفلاحي؛ وهو يوجد في الموقع الثاني من القيمة المضافة الفلاحية بعد زراعة الحبوب، ونموه في الخمس عشرة سنة الماضية سريع يساوي 5 % في السنة. والقطيع الذي مقداره مليونان ونصف المليون (2,5) من الأبقار، 15 مليوناً من الغنم، و5 ملايين من الماعز، يتغير حجمه من سنة لأخرى، خصوصاً تبعاً للظروف المناخية. هذه الأرقام تمثل باستعمال مؤشر الوحدة الحيوانية الكبرى (و ح ك) حوالي 6,5 مليون من الوحدات.
        أما توزيع القطيع بعدد الوحدات الحيوانية الكبرى في الهكتار، فهو يشير إلى اختلافات في الضغط على الأراضي والموارد العلفية، على مستوى كل إقليم. فالكثافة الكبرى تخص سهول المغرب الأطلنتي؛ وهي تقل في الجبال وسهول المغرب الشرقي والجنوب. وتتشخص بعض الأقاليم بالنسبة الغالبة للأبقار (الجديدة، الغرب)، بينما تشير أقاليم أخرى إلى نسبة كبرى للأغنام (المغرب الشرقي، الأطلس المتوسط)، ويغلب الماعز في الأطلس الكبير. وتوزيع القطعان يشير إلى الثقل الخاص للسهول والهضاب الأطلنتية ومحيط المدن، بينما يتركز الماعز في الجبال، وفي المناطق الجنوبية بصورة ثانوية.
        والرعي في المراعي الطبيعية يهم الحيوانات الصغرى على الخصوص. ذلك بأنه يمكن القول بأن من بين 71 مليون هكتار التي تمثلها مساحة البلاد، تغطي المراعي - مع تفاوت كبير في قيمتها العلفية - حوالي 88 % من المساحة (غابات، سهوب، مروج القمم الجبلية، أراض صحراوية). إلا أن 24 مليون هكتار منها فقط تعتبر مراعي منتجة.
        ومن إنتاج وطني للأعلاف مقداره بين 3000 و5000 مليون وحدة علفية (و.ع)، تختلف سنوياً حسب الأمطار، يمكن فرز المساهمات التالية:

ـ  الغابة تغطي 5,5 ملايين هكتار وتنتج من 1 إلى 1,3 مليار و.ع، أي 11 % من العلف المقدم للقطيع و30 % من علف المراعي الطبيعية؛
ـ  سهوب الحلفاء تغطي 3 ملايين هكتار، خاصة في المغرب الشرقي، وتنتج 286 مليون و. ع؛
ـ  المراعي السهوبية الأخرى الدائمة والمنتجة تغطي 21 مليون هكتار، خاصة في هضاب المغرب الأطلنتي، الجبال الجافة، ومقدمة الصحراء، وتمثل 32 % من مساحة البلاد وتنتج ما مقداره 3 ملايير و.ع، أي
25 
% من الميزانية العلفية العامة. وللرعي الواسع المقلال فوائده بالمقارنة مع أساليب الرعي الأخرى في مناطق السهوب والجبال، حيث يمثل تحسين هذا النشاط أفضل وسيلة ممكنة لتدبير المواد وتهيئة المجال.

        وبغرض التخفيف من الآثار السلبية للآفات المناخية، يسعى مربو الماشية إلى اتخاذ استراتيجيات تدبير القطعان. وهي استراتيجيات تعتمد على عدة أنواع من التنقلات، تستفيد من التكامل بين عدة أنظمة بيئية ورعوية. إلا أن هذا النمط الرعوي يعرف تراجعاً هاماً، بحيث انقرض نظام الترحال الدائم كليّاً. وتنزع مساهمة المراعي الطبيعية إلى التناقص في كل مكان، ولم تصبح تمثل في السنة العادية سوى 36 % من الميزانية العلفية العامة. وبالعكس من ذلك، تزايدت مساهمة الحبوب (شعير، ذرة) والزراعات العلفية، وبقايا الزراعات (تبن) والبوار وفضلات الصناعات الغذائية، في غذاء القطيع، وهي تمثل حالياً أكثر من نصف الوحدات العلفية.
        يتميز رعي الأغنام في المغرب بتنوع كبير في الأجناس المتكيفة مع ظروف الوسط. وتتميز هذه الأجناس بقدرتها على التكيف مع صعوبة الوسط الطبيعي، لأن لها طاقة تحويل الغذاء المعتمد على الموارد الطبيعية. وهذا يسمح بتعريف نطاقات تعتبر »مهداً« لأجناس خاصة معروفة، تربت في تلك المناطق منذ القديم، واتخذت مظاهر متميزة. والأجناس الغنمية المحلية المعروفة التي تكون موضوع برامج انتقاء على الأمد الطويل هي: جنس تمحضيت، والصردي، وبني كيل، وبجعد، والدمان. وما يجمع بين هذه الأجناس - باستثناء الدمان - هو جلادتها وتكيفها مع المراعي المقلالة. وقد انبنت استراتيجية وزارة الفلاحة على البحث من أجل تحسين النسل والتغطية الصحية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الإنتاج بحوالي 75 % بين 1970 و1992. وقد خلَّف التصميم الغنمي الموضوع سنة 1980 عدة آثار على إنتاج لحوم الغنم؛ لكن جل المجهود المبذول في إطار التحسين همَّ البقر الحلوب واللحوم البيضاء عامّة.
        طاقم الأبقار تمثله الأجناس المحسنة بنسبة 50 %. والأبقار الحلوب المحسنة والتي تعرف أعدادها تزايداً مستمراً تتركز في المناطق السقوية والمجالات قرب الحضرية، على الخصوص. وبموازاة هذا التوزيع، توجد مراكز تجميع الألبان (حوالي 1000 مركز في المجموع) خاصة في الغرب ودكالة والحوز - السراغنة وتادلة. وتهم عملية التجميع معدل 630 مليون لتر في السنة.
        لقد عرف قطاع اللحوم البيضاء نمواً مطرداً في إنتاجه خلال الثلاثين السنة الأخيرة (معدل نمو يصل إلى 8 % في السنة)، ارتباطاً بحركة القطاع الخاص. لكن يجب الإشارة إلى أن هذا النشاط مركز أساساً في جهتي الرباط والدار البيضاء، إضافة إلى بعض الوحدات بجوار المدن الكبرى.
       
3 ـ الآفاق
        يعرف الإطار الدولي العام تطورات متسارعة ضمن حركية العولمة، لها أكبر التأثير على الزراعة المغربية. (المخطط الوطني لإعداد التراب، 2001).
        فعلى مستوى طلب المواد الغذائية على الصعيد العالمي، يسجل تطور نحو الاستقرار بسبب التحولات الديمغرافية المنتظرة في العشرين السنة المقبلة. والإنتاج الحالي، بسبب التطورات السريعة التي يعرفها وارتباطاً بالتقدم العلمي، قادر على إشباع متطلبات العالم الغذائية في المستقبل دون حدوث أزمات كبرى، إلاَّ في مناطق خاصة ولأسباب سياسية أو أمنية غالباً. وتوجد أكبر نسبة لتقدم الطلب على الغذاء حالياً في آسيا، وخاصة في الصين والهند. وتعتبر اللحوم في مقدمة المنتوجات التي يتزايد الطلب عليها، ارتباطاً بتغيرات تتعلق بالعادات الغذائية في الدول المتقدمة وخاصة ظاهرة »المطاعم السريعة«، بينما تزايد توجيه الحبوب للعلف الحيواني قبل الغذاء البشري.
        أما الإنتاج العالمي، فيعرف تقدماً كبيراً في البلدان الآسيوية المكتظة، كالصين والهند والطايلند وأندونسيا. هذه البلدان التي عرفت ثورة زراعية حقيقية في الربع الأخير من القرن العشرين، تعتمد على تطوير التقنيات، خاصة على مستوى التسميد. وتعرف المنتوجات الزراعية حالياً تناقصاً في أسعارها في السوق الدولي. وأحد أسباب هذا الانخفاض في السعر المساعدات الهائلة التي تقدمها الدولة لقطاع الفلاحة. وأسباب النمو الإنتاجي ثلاثة هي: التوسع الزراعي على أراض جديدة، والرفع من وتيرة الإنتاج (أكثر من منتوج واحد في السنة في نفس الحقل)، والزيادة في المردود؛ وهذا السبيل الأخير هو الأكثر أهمية، لأنه يمثل 80 % من النمو في الإنتاج الحاصل حالياً.
        ويحصل أكثر تطور في الإنتاج في ميدان البيوتكنولوجيا. هذا، بينما تتقدم الزراعة البيولوجية التي تتميز بمنتوجات مرتفعة الكلفة، لكن تلبي طلب زبناء جدد، عددهم في تقدم مع تحسين ظروف وإمكانات العيش في الدول المتقدمة. وعلى مستوى التبادل، يحدث تغير جذري وهو أن التجارة صارت تهم المنتوجات الغذائية المصنعة أكثر مما تهم المنتوجات الخام. كما يجب الإشارة إلى أن تبادل بعض المنتوجات المستهلكة لقسط عالٍ من ماء الري يقتضي تبادلاً ضمنياً للماء، وهو مورد شديد الحساسية في كثير من البلدان. فعلى سبيل المثال، تستورد جهة أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط من الغذاء كميات يتطلب إنتاجها مقادير مائية تساوي صبيب النيل خلال سنة.
        وتطرح التطورات الحديثة للعولمة المتعلقة بالتجارة العالمية، إشكالية مستقبل الفلاحة المغربية على واجهتين:
ـ  ما مستقبل الفلاحين الصغار المنتجين للحبوب، في مواجهة الغزو الذي تعرفه الأسواق العالمية من طرف حبوب الدول المنتجة الكبرى والتي تتميز بانخفاض أسعارها بسبب انخفاض تكلفة الإنتاج (مكننة متطورة وإنتاجية شديدة الارتفاع في بعض دول أوربا والولايات المتحدة) وبسبب المساعدات التي تقدمها الدولة للفلاحين في هذه البلدان؟
ـ  ما مستقبل الزراعات الموجهة للتصدير إلى الخارج، من خضر وفواكه، في أفق التغيرات التي تطرأ على العادات الغذائية لسكان الدول المتقدمة، وأمام التقدم الذي تعرفه وسائل التوزيع الدولية الكبرى للغذاء (منتوجات معلبة وبمواصفات دقيقة).

        هذا، في وقت يحتل فيه المغرب موقعاً ضمن مفهوم الزراعة الواسعة المقلالة، على الرغم من حصول تقدم حقيقي في مردود بعض الزراعات. وتتميز الفلاحة المغربية بعدم استغلالها لكل الإمكانات المتاحة لها. كما يعرف المغرب حالياً هوة كبرى بين الأرياف والمدن، أحد مظاهرها الأساسية تركز السكان والأنشطة في المجالات الساحلية وخاصة في المجال القطبي المركزي، المتمثل في الشريط الساحلي بين القنيطرة والجديدة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الساكنة القروية ما زالت في تزايد مطلق وإن بنسبة ضعيفة، هي أضعف مما كانت عليه في الستينيّات والسبعينيّات من القرن العشرين. هذه الساكنة القروية، وجزء هام منها غير »متواصل« مع التطورات الحالية في المغرب والعالم، تعيش محلياً وضعية انكماش وتأزم، كثيراً ما يدفعها إلى الهجرة نحو المدينة. لكن هذه الهجرة لا تمثل أبداً مخرجاً لهؤلاء السكان، إذ أغلبهم يغادرون الفلاحة دون أن يجدوا في حياتهم الجديدة ما يعوض نشاطهم الأصلي. ومن مظاهر الضعف كذلك النقص الملاحظ في الاندماج الزراعي الصناعي، أي على مستوى تحويل المنتوجات الزراعية وتصنيعها.
        والسبيل لتلافي هذا النقص هو تثمين القطاعات الزراعية التي يتوفر المغرب فيها على قدرات حقيقية من جهة، والاستثمار في اقتصاد المعرفة من تكوين رصين وبحث علمي متقدم من جهة ثانية. أمام المغرب منفذ واحد في مواجهة هذه الصعاب المستقبلية، وهو أن يبني تنميته على قدرات بشرية لها إمكان الإحاطة بالمشاكل المطروحة محلياً ودولياً، وتشخيص السبل لمعالجتها.
        والخضوع لحرية كاملة للتجارة العالمية يحكم على الفلاحة المغربية بالفشل، إذ قد يؤدي إلى انقراض كل الإمكانات لاستمرار إنتاج الحبوب، وبالتالي يقضي على غالبية المزارعين، خاصة الصغار منهم، ويحتم عليهم مخرجاً وحيداً هو الهجرة. وعوض ذلك، سيسعى المزارعون للإنتاج من أجل السوق  (خضر وفواكه). ومعروف ما تحتاجه هذه المزروعات من مقادير عالية من ماء الري، في ظل ندرة هذا المورد، الأمر الذي لا يسمح بتطوير المساحات المزروعة والإنتاج بشكل متناه.
        وتكمن آفاق التطوير في تعهد أكبر للدولة، وتزايد للاستثمار الخاص، وإحساس من المقاولات الزراعية بالمسؤولية. وهذا يقتضي التجديد والإصلاح والبحث عن الاستدامة فيما يتعلق بالمورد المائي خاصة.

خاتمة
        لقد أحرزت الفلاحة المغربية على مكاسب هامة هي: مكسب التنوع بفضل سياسة السقي التي تعدت عتبة المليون هكتار المعلن عنها منذ أكثر من عشرين سنة، هدفاً لنهاية القرن العشرين؛ ومكسب الاندماج في السوق الداخلي والخارجي؛ ومكسب تغطية الجزء الأوفر من الحاجيات الغذائية الأساسية. وهكذا صار المنتوج الداخلي الخام الزراعي ضعف مقداره منذ 30 سنة. لكن هذا المنتوج لا يتعدى نسبة 18 - 20 % من المنتوج الإجمالي الخام، وقد يسقط إلى 12 % منه في السنوات الصعبة كسنوات الجفاف. ولذا فقدت الزراعة دورها الريادي في اقتصاد المغرب، بينما ما زالت تحتفظ بالدور الأول على مستوى التشغيل (44 % من اليد العاملة).

المصادر والمراجع


تروان، جان فرانسوا ومحمد بريان وعبد الله العوينة وآخرون، المغرب. الجهات والبلدان، لاروز، باريز، 2002.
الرفاص، محمد وعبد الله العوينة ومحمد بريان وآخرون، أطلس المغرب، مجموعة جون أفريك، باريز، 2003.
مديرية إعداد التراب الوطني (1984)، أطلس الموارد الطبيعية.
وزارة  الفلاحة، الإحصاء الفلاحي العام، 1996.
وزارة الفلاحة، المخطط الوطني للري، 2002.
وزارة إعداد التراب الوطني، المخطط الوطني لإعداد التراب، 2001.                            










مواضيع مشابهة :

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

مواضيع في المعلوميات

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

جميع الحقوق محفوظة ©2014 منتدى طلبة الجغرافيا - مراكش